فن

السينما السعودية: 6 سنوات حضورًا بعد 40 عامًا من الغياب

في الذكرى السادسة لإعادة افتتاح صالات السينما في المملكة، لا بد من إلقاء نظرة متفحصة على التحولات العميقة التي شكَّلتها هذه العودة للسينما السعودية.

future السينما السعودية

في الذكرى السادسة لإعادة افتتاح صالات السينما في المملكة، لا بد من إلقاء نظرة متفحصة على التحولات والتغيرات العميقة التي شكَّلتها هذه العودة من نواحٍ عديدة، سواء أكان ذلك على المستوى الثقافي والفني والإبداعي والاجتماعي أم الاقتصادي.

غير أن الناحية الاقتصادية باتت تكتسب أهمية مضاعفة، كون السينما السعودية قبل ذلك كانت موجودة بشكل متذبذب وغير دائم، على صعيد المهرجانات السينمائية الخليجية، من خلال عرض عدد من الأفلام فيها، مثل «وجدة» لهيفاء المنصور، و«بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ، و«الدنيا حفلة» لرائد السماري، و«الفضائي العربي» لمشعل الجاسر، وغيرها من الأفلام السعودية. 

ذلك أن هذه العودة ترافقت مع محاولات اقتصادية جادة يمكن الانطلاق منها لصناعة سينما سعودية واعدة.

ففي أبريل الماضي وصلت الإيرادات إلى 3.7 مليار ريال، بمجموع 61 مليون تذكرة مبيعة، وقد ترافق ذلك مع انتشار واسع لصالات السينما وشاشاتها، وقد بدا هذا الانتشار جليًّا ليس في المدن الكبرى فحسب، بل أيضًا وبشكل أوسع في المدن الصغيرة، مع خفض ظاهر في أسعار التذاكر بالقياس مع أسعارها في دول الجوار.

ماذا يشاهد الجمهور السعودي؟ 

إن نظرة سريعة على أكثر الأفلام مبيعًا في صالات السينما منذ 2018 حتى اليوم، تكشف لنا أن Top Gun لتوم كروز هو الأعلى مبيعًا، ونجد معه ثلاثة أفلام مصرية في أعلى القوائم («بحبك»، «وقفة رجالة»، «عمهم») وفيلمًا سعوديًّا واحدًا «سطار»، ومن ضمن القائمة أيضًا فيلم أوسكاري «أوبنهايمر»، للمخرج كريستوفر نولان. كما تكشف هذه النظرة تنوع المشاهدات بين أفلام الأكشن والأفلام الأوسكارية والأفلام العربية ذات الطابع الكوميدي البحت، الأمر الذي يشكِّل عينة لأذواق المشاهدين السعوديين ومكونات الجمهور السعودي. 

أقدم هذه الأفلام هو "وقفة رجالة" الذي حقق لدى صدوره نجاحًا لافتًا؛ إذ بقي معروضًا في الصالات لأكثر من تسعة أشهر، وقد لفت المنتجين المصريين إلى السينما السعودية وإمكان التعامل معها باعتبارها منتجًا اقتصاديًّا جديدًا. وتلت هذه التجربة (وقفة رجالة) أفلام عدة، منها "ماما حامل"، مما حمل المنتجين على إنجاز أفلام مشابهة لهذين الفيلمين، حيث القاسم المشترك هو النجم الجماهيري — بالنسبة للسعوديين — بيومي فؤاد الذي يحقق نجاحًا مضمونًا في شباك التذاكر. ولكن هل نجحت التجربة؟

ثمة أفلام مصرية عديدة عُرضت في صالات السينما السعودية، كان بيومي فؤاد هو النجم الأوحد فيها، لكنها مرت مرور الكرام، فلم يتخطَّ عرضها الأسبوعين! هناك مثال آخر، فمثلًا فيلم "بحبك" لتامر حسني جاء في المركز الثاني كأكثر الأفلام إيرادًا، لكن أفلامه اللاحقة لم تحقق أي نجاح جماهيري يذكر، ولم يتعدَّ عرضها شهرًا  كفيلمه الأخير "تاج"، مما يدفعنا إلى الاستنتاج أن مزاج الجمهور السعودي سيتغير ويتشكَّل، فلا قاعدة يبنى عليها، وتحديدًا فيما يخص استقبال الجماهير السعودية للفيلم المصري.

بعيدًا عن الأفلام الكوميدية وأفلام الأكشن، كان آخر النجاحات السينمائية هو لفيلم «رحلة 404» الذي تصدر الترتيب بما يقارب ٧ أسابيع عرضًا، رغم أنه من الأفلام التي تبدو غير جماهيرية، ولم يحقق النجاح نفسه في مصر!  

السينما السعودية والبحث عن ثقة الجمهور 

 تحديات عدة تواجهها صناعة السينما السعودية، ما بين المعرفة الأكاديمية والسينمائية، والصبر على تحمل تحديات صناعة الفيلم. لكن هناك في رأيي تحديًا مهمًّا يواجهه صناع السينما السعودية، هو النجاح الجماهيري وكسب ثقة الجمهور السعودي، بحيث يجد المواطن السعودي نفسه مدفوعًا لتخصيص جزء من يومه لحضور فيلم سينمائي سعودي؛ لأنه من المهم جدًّا أن تكون هناك تجارب سينمائية سعودية متراكمة، كي تخلق ما نستطيع تسميته صناعة يبنى عليها. 

من المؤكد أن هناك نماذج سينمائية مميزة نالت نصيبًا من النجاح الجماهيري، مثل «شمس المعارف» و«الهامور» و«سطار»، وهذا الأخير حقق نجاحًا باهرًا وإيرادات وصلت إلى أكثر من أربعين مليون ريال، ليصبح الفيلم الذي يحتل المرتبة الرابعة بيعًا للتذاكر، نعم كان الاحتفاء به كبيرًا لا لجودته وتميزه، فهو فيلم تجاري بسيط، لكن الاحتفاء بسبب نجاحه الكبير في صالات السينما. 

وبعيدًا عن الأفلام التجارية المتطايرة هناك نجاح أكبر لأفلام سعودية درامية في صالات السينما مثل «الهامور ح ع»، و«مندوب الليل»، والآن نتابع نجاح فيلم الأخوين قدس «أحلام العصر»، وفيلم محمود صباغ «آخر سهرة في طريق ر»، والرابط المشترك بين هذه الأفلام هو أن تصنيفها العمري للكبار فقط. 

نخلص من ذلك إلى القول إن هناك بداية تشكل جمهور للفيلم السعودي في صالات السينما، يهتم بالفيلم بعيدًا عن نوعه وتصنيفه العمري. 

على الجانب الجماهيري الأخير، هناك جمهور المنصات، وبالأخص نتفليكس، حيث شاهدنا العديد من التجارب السينمائية التي حققت مشاهدات عالية عربيًّا، بعيدًا عن مستواها الفني، منها على سبيل المثل «مسامير»، «الخلاط +»، «راس براس»، «جرس إنذار»، وفيلم «ناقة».

ميزة هذه الأفلام أنها أوجدت للفيلم السعودي حضورًا عربيًّا أوسع وأكبر، بحيث أصبحنا معتادين تقريبًا على مشاهدة فيلم سعودي جديد كل ثلاثة أشهر، بمستويات متفاوتة.

الأفلام المستقلة في السعودية

بقي جانب مهم، وهو الفيلم السعودي المستقل والمدعوم حكوميًّا، حيث قدمت جهات عدة الدعم الكبير (صندوق ضوء، الصندوق الثقافي، مؤسسة البحر الأحمر)، فباتت بطريقة أو بأخرى ملجأً كبيرًا لصناع الأفلام، بعيدًا عن الاستديوهات السينمائية كـ «تلفاز» مثلًا. 

من 2018 إلى 2023 أنتج العديد من الأفلام السعودية لعدد كبير من المخرجين، وكان منتظرًا ومتوقعًا أن يكون هناك حضور أكبر في المهرجانات السينمائية بعد الدعم، خصوصًا أن فترة ما قبل الدعم شهدت تجارب مميزة، كأفلام «وجدة» و«سيدة البحر» و«المرشحة المثالية».

لكن هذا الحضور السينمائي اللافت والكبير تأخر إلى عام 2023، مع فيلمي «مندوب الليل» و«ناقة» في تورتنو 2023، والحضور الأهم في فيلم «نورة» المشارك في مهرجان كان 2024. فمن شأن مثل هذه المشاركة في المحافل السينمائية الدولية تخفيف الضغط عن العاملين في السينما، حيث بدأت تثمر خلال السنوات الست الأخيرة الجهود السينمائية وتُقطف ثمارها الناضجة.

الأهم هو الاستمرارية والاستدامة، بحيث يُحفاظ على معدل محترم في عدد الأفلام التي تُنتج سنويًّا، ولا سيما بالنسبة إلى المخرجين المستقلين، والجهات السينمائية المستقلة التي تدعم هذا الفن وتؤمن به، بمعزل عن الدعم الحكومي. 

# السينما السعودية # سينما

فيلم «The Substance»: رعب أن تمتلك جسداً
فيلم «دخل الربيع يضحك»: موسيقى الحياة اليومية
My Favourite Cake: الحياة كعكة ساخنة في انتظار رفقة

فن